القناعة بوابة الرضا.. والاطمئنان ظل اليقين

القناعة بوابة الرضا.. والاطمئنان ظل اليقين
سوالف ام عبدالوهاب
ما القناعة؟ سؤال يتردّد في خيال كل إنسان، ويستقر في أعماق نفسه وفكره. وقد عرّفها ابن فارس بأنها الرضا باليسير، والرضا بما قسمه الله للعبد. وهناك فرق بين القصد والقناعة؛ فالقصد هو ترك الإسراف والتقتير، أما القناعة فهي الاكتفاء بالقليل.
وفي “معجم الفروق اللغوية” لابن هلال العسكري، نجد أن الاقتصاد ضد الإسراف، وهو عمل من أعمال الجوارح، بينما القناعة عمل من أعمال القلوب. وهناك اختلاف آخر بين القناعة والزهد: فالقناعة هي الرضا بالقليل، أما الزهد فهو الرضا بالزهيد، وكلاهما متقاربان. فيُقال: القناعة رضا النفس، والزهد إعراضها عمّا تشتهي.
أما الاطمئنان، فهو شيء آخر؛ إنه الراحة والسكون والاستقرار والتوازن، وهو مستمد من قول الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}. فالاطمئنان مردّه إلى الله في علياء سماواته، ومنه تستمد النفوس سكينتها.
وقد ترى إنساناً غارقاً في النعيم، لكنه أشقى الخلق، بينما تجد آخر يكدّ ويتعب ويعمل بجدّ، ومع ذلك يعيش أسعد حياة لا تُقاس بثمن. فالمعادلة ليست فيما تملك، بل فيما ترضى به وتطمئن إليه.
وليس غريباً أن يُقال: القناعة كنز لا يفنى. إنها ليست مجرد حكمة مأثورة، بل حقيقة عميقة تجسّد معاني الشكر والحمد والإيمان المطلق بما قسمه الله، والرضا به في كل حال. هنا تكمن القيم التي تمنح الحياة معناها الأعمق، بعيداً عن الطمع والانكسار والتهافت.
إن القناعة ليست موقفاً عابراً من تفاصيل الحياة، بل هي وعي داخلي يعيد تشكيل علاقة الإنسان بذاته وبالعالم. فهي المرآة التي يرى فيها المرء نفسه بلا أقنعة، والميزان الذي يزن به حاجاته بلا تضخيم أو وهم. وحين تتجذّر القناعة في القلب، يتحرر الإنسان من قيد المقارنة، فلا يعيش أسيراً لما عند غيره، ولا تستهلكه لذة زائلة أو شهوة عابرة
فالقناعة إيمان مطلق بثوابت النفس، ومصدر لحراكها، ورضا تام بما كُتب للإنسان، خيراً كان أم شراً