بن الأصول جذور لا تراها العين

بن الأصول جذور لا تراها العين
بقلم: أم عبدالوهاب
ليس كل ما يُرى يُقاس، فهناك جذور راسخة لا تلتقطها العين، لكنها تظهر وقت الشدّة، وتتكشف معادنها حين تضيق الدروب. ابن الأصول إن صافى صافى، وإن وفّى وفّى بالعهد، لا يساوم على الشهامة، ولا يعرف للحقد طريقًا، ومن يعرف معدنه يشهد له بالودّ والصدق.
هو ذاك الذي إن قسا الزمان كان سندًا، يسند من أثقلته الأيام، كريم الطبع، ثابت الموقف، واقف بالحق وإن غاب الصحاب. الشهم معدنه فوق السحاب، يبدّل المرّ حلاوة، ويكسر قسوة العذاب بثباته ونبله. فعله ترجمة للشهامة، وكرمه عالي الجناب، لا يعرف دروب المعاب، وكل شدة يمرّ بها يخرج منها غالبًا، مرفوع الرأس.
الأخلاق ليست زينة اجتماعية تُرتدى، بل جذور تُزرع في البيوت، وتفضحها التجارب حين تضيق الدنيا. قد يرفع البعض أسماءهم بالنسب، لكن التربية وحدها تمنح القلب وزنه الحقيقي؛ فمن نشأ على الوفاء ظل وفيًّا مهما اشتد الزمن، ومن غابت عنه القيم خان العِشرة عند أول اختبار.
الأصيل مهما تبدّلت الظروف، واقف بالحق لا يعرف تعبًا، كلمة الحق عنده موقف لا يُساوم، وإن هبّت الدنيا هبّ ثابتًا لا يهاب. لا يُعرفون بكثرة الكلام، بل بثبات الموقف، هم أول من يقف في الشدّة، وآخر من يذكر جميله، لأن ضمائرهم حيّة تنفر من نكران المعروف.
تجارب الحياة تكشف المعدن الصافي من الزائف؛ كم من وجه مبتسم يخفي خنجرًا، وكم من قلب صامت يحمل من النبل ما ينهض بك قبل أن تطلب. القيم ليست ميراثًا يُكتب، بل بذرة تُسقى كل يوم، والإنسان لا يُقاس بما يعلّقه على كتفه من أنساب، بل بما يتركه خلفه من أثر طيب. فالأيام تُنصف، تنزع الأقنعة، وتُبقي الأصل ثابتًا كجذر لا تهزه المواسم.
طيب القلب، نقي السريرة، لا غدر منه ولا تبدّل، في زحام الوجوه وتعدّد الأقنعة، يصبح ابن الأصل شمعة الطمأنينة النادرة؛ إذا حضر شرف، وإذا غاب افتقدته القلوب قبل العيون.
ابن الأصل إن حضر حلّ السلام، والكرم عنده طبع لا ادّعاء، واقف بالحق دائمًا، لا يظلم ولا يُضام، وإن قست عليه الدنيا حوّل المرّ ابتسامًا. نيّته بيضاء، وقلبه مصفّى، لا يخون العِشرة، فعله يسبق حرفه، ووفاؤه فعل لا شعار.
معدنه ثابت لا تغيّره الظروف، وقدره عالٍ تشهد له الصفوف. إن وعد أوفى، وإن قال صدق، وابن الأصول لا يذوب مع الزمن، ثابت كالذهب المصفّى، شهم في المواقف، أصيل في القلب.



